الحجر الصحي بين ضرورة حماية الصحة العامة و ضمان الحقوق و الحريات

 





إجراءات الحجر الصحي و العزل بين ضرورة حماية المصلحة العامة

و ضمان الحقوق و الحريات


بقلم امين دعوثي 

محامي دارس بالمعهد الاعلى للمحاماة 

طالب باحث بكلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة

 

 

 

كل القوانين عند الشدائد تداس باسم المصلحة العامة. لكن رجال القانون يختلفون حول درجة تطبيق هاته الإجراءات من حيث المكان و الزمان فالاوضاع قد تختلف من مكان الى اخر و من زمان الى اخر لذلك يجب ان تكون الإجراءات المتخذة متناسبة مع المكان و الزمان لكي لا تتحول هاجس المصلحة العامة الى ذريعة للتعدي باسم القانون.

فالعالم اليوم يعيش ظرف استثنائي بسبب وباء كورونا هذا الفيروس الذي نشر الخوف و الحزن بين بني البشر. و اجبره على اتباع طرق الحيطة و الحذر في انتظار بزوغ شمس الامل المنتظر بإعلان النصر على هذا العدو اخفي المستتر في انتظار ذلك تحركت أقلام البشر بالتحليل و الدرس لما يعيشه العالم اليوم فهذا يدرس تاثير الوباء على الاقتصاد و اخر على العلاقات الاجتماعية و اخرون في القانون. و لعل ما اصبحنا عليه اليوم من وضع استثنائي و مررنا به في موجة أولى من إجراءات الحجر الصحي الشامل التي مرت به كل بلدان العالم جعلتنا نتسائل عن جدوى هذا الاجراء و الى أي حد من الممكن ان يجنبنا نتائج كارثية كادت ان تحصل لولا اتخاذ مثل هكذا اجراء الامر الذي ينادي به العديد من الناس بالعودة الى هذا الاجراء و لكن هذا الاجراء له كلفة اجتماعية و اقتصادية فبالبلدان التي تعيش ازمة اقتصادية لا يمكن لها العيش طويلا تحت هذا الاجراء فاذا ما كانت الأوضاع الاقتصادية غير مريحة فحتما سينعكس الامر على العلاقات الاجتماعية.

امام هاته التحديات الكبرى يكون اجراء الحجر الصحي الشامل مفيدا في اطار الحفاظ على الصحة العامة كأولوية كبرى و التضحية بالحريات و الحقوق الشخصية و لكن

 الى أي مدى يمكن العيش تحت ظل هذا الاجراء امام الاكراهات الاقتصادية ؟

ان الوضع الاستثنائي اليوم يفرض اتخاذ إجراءات الحجر الصحي الشامل صونا لكرامة الانسان و حفظا لحقه في الحياة لكن هاجس الصحة العامة لا يجب ان يكون ذريعة للنيل من الحقوق و الحريات الشخصية .



                                                     



 

1-   الحجر الصحي قوامه حفظ الصحة العامة :

ان هذا الاجراء يتطابق مع ما جاء به المواثيق الدولية لحقوق الانسان و الدساتير الوطنية فاتخاذ هذا الاجراء من شانه الحفاظ على الحق في الحياة الذي يعد اهم حق تدور في فلكه بقية الحقوق الأخرى فهذا الفيروس قد اهلك الاف البشر فهو فيروس خطير يهدد حياة الانسان فمن دون الحق في الحياة لا يمكن الحديث عن الحقوق الشخصية و الحريات و لذلك نجد ان اتخاذ هذا الاجراء في محله .

فالاعلان العالمي لحقوق الانسان ينص في مادته الثالثة على هذا الحق بالقول بان " لكل فرد الحق في الحياة و الحرية و الأمان على شخصه."

إضافة الى ذلك نجد دستور الجمهورية التونسية ينص على ان "الحق في الحياة مقدس لا يجوز المساس به الا في الحالات التي يضبطها القانون "

فيما نجد الميثاق العربي لحقوق الانسان نص على ان "الحق في الحياة حق ملازم لكل شخص

يحمي القانون هذا الحق و لا يجوز حرمان احد من حياته تعسفا".

بالتالي نجد ان كل النصوص التشريعية مجمعة على ضرورة حماية هذا الحق و منها من اعطته مرتبة القدسية نظرا لأهميته و مكانته فالعمل على حمايته يمر عبر اخذ كل الإجراءات التي تحفظ هذا الحق و منع كل خطر يهدد هذا الحق و من الاخطار التي تهدد هذا الحق هو هذا الوباء المنشر في كامل انحاء العالم و الذي يحصد يوميا الاف الأرواح البشرية.

كذلك فان اجراء الحجر الصحي يدعم الحق في الصحة فهو من جهة يساهم في الحد من الوقوع في فخ هذا الوباء من خلال كونه اجراءا وقائيا يحفظ الانسان من الإصابة و لكن أيضا اذا أصيب فان إجراءات الحجر و العزل تمنح المصاب فرصة التداوي و العلاج بعيدا عن المحيط الذي يعيش فيه و في ذلك و في ذلك حفظ كبير لمسالة الصحة العامة و منا يتضح ان هذا الاجراء في تناغم كبير مع ما جاءت به المواثيق الدولية من ضرورة حفظ الحق في الصحة و هذا الحق وقع تكريسه في الدساتير الوطنية و المواثيق الدولية .

فالفصل 38 من دستور سنة 2014 نص بفصلة 38 على ان " الصحة حق لكل انسان

تضمن الدولة الوقاية و الرعاية الصحية لكل مواطن و توفر الامكانيات الضرورية لضمان سلامة و جودة الخدمات الصحية

تضمن الدولة العلاج المجاني لفاقدي السند و لذوي الدخل المحدود ..."

فهذا الفصل في تناغم تام مع ما جاءت به المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الناصة على انه

" لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة و الرفاهة له و لأسرته و خاصة على صعيد المأكل و الملبس و المسكن و العناية الطبية ..."

اذن فإجراء الحجر الصحي الشامل يدخل في زمرة الحفاظ على حق في الحياة و دعامة أساسية من دعائم الحق في الصحة فحفظ الصحة العامة يرنو من ورائه حماية الحق في الحياة و ضمان كرامة النفس البشرية و توفير حياة الفرد في صحة جيدة كما نص ذلك الفصل 38 من دستور الجمهورية التونسية الذي جعل من الدولة ضامنة للوقاية و العلاج و امام هذا الظرف الاستثنائي يكون من الوجيه الالتزام بهذا الاجراء و لكن هل هذا الأخير يحفظ الحق في الحياة و الحق في الصحة على قدم المساواة بين مختلف فئات المجتمع فعلى ما يبدو فان الامر لن يكون ذلك خاصة و ان المساواة امام القانون كذلك من المبادئ التي جاءت بها المواثيق الدولية و الدساتير المحلية.



                                                           



2-   اجراء الحجر الصحي الشامل يحد من الحقوق و الحريات

 

ان هذا الاجراء و على أهميته لا يمكن ان ينطبق على كافة فئات المجتمع بالتساوي و بالتالي فمن ينضبط لهذا الاجراء قد لا يصاب بهذا الفيروس و لكن حتما سيصيبه مرض اخر فالفقر و الخصاصة مرض من نوع اخر فأصحاب المهن الحرة و الأشخاص الذي يعيشون على ما جنوه من كدهم اليومي لن يكون هذا الاجراء نافعا لهم اذا ما طال امده صحيح قد يمنعهم من الإصابة بهذا المرض و لكن سيجد نفسه في زمرة المغضوب عليهم داخل عائلته و امام أبنائه الذين لا يأبهون في بعض الحالات الى ما يكابدوه والداهم من اجل توفير لقمة العيش.   

إضافة الى الامراض النفسية التي قد تصيب الفرد نتيجة لتقييد حرية التنقل و الضغط الذي يعيشه داخل العائلة فكل الشاشات التلفازية لا حديث لها الا على هذا الوباء مما يعجل بكثرة عدد المرضى خلال تلك الفترة الامر الذي يهدد الحق في الصحة في المقام الأول و قد يلتجا الانسان الى المستشفى او طبيبه الخاص من اجل مرض معين فيصاب بهذا الفيروس الامر الذي يهدد حقه في الحياة .

و بالتالي فان اجراء الحجر الصحي الشامل لا يخلو من الاثار السلبية على مسالة الحقوق و الحريات التي من حيث المبدأ هو دعامة أساسية لصون الحق في الحياة و الحق في الصحة.

الا ان هاته الاثار السلبية لا تقف عند هذا الحد فكما سبق و اشارنا فان هذا الاجراء اذا ما طال امده فان تكاليفه قد تكون باهضه الثمن اقتصاديا و اجتماعيا و نظر لهشاشة الوضع الاقتصادي و الوضع المتردي في المستشفيات كل هاته الاكراهات تساهم في تنامي ظاهرة العنف داخل المحيط العائلي ففي دراسة اجرها منتدى الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية أشار الى تفاقم ظاهرة العنف الزوجي و بالتالي مما ينذر بازدحام المحاكم بملفات إضافية تتعلق بالطلاق و قد اشارت مختلف التقارير في دول العالم الى تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة  بشكل كبير خلال فترة الحجر الصحي و تأتي كلمة وزيرة العدل التونسية خلال جلسة خصصت لمناقشة أوضاع ابان فترة الحجر الصحي لتؤكد عدم خروج تونس عن خارطة العنف ضد المرأة خلال هاته الازمة اذ تم تسجيل ارتفاع في حالات العنف ضد لنساء فقد حققت النيابة العمومية في أربعة الاف و مائتين و ثلاثة و ستين قضية تتعلق بالعنف ضد المرأة و الطفل الى حدود الفترة الأولى من شهر ماي و تم تسجيل 5111 متهما في هذه القضايا.[1]

الامر الذي يجعل الأجواء داخل الاسرة متشنجا و غير ملائم مما يجعل الحقوق الذي أورده الفصل 23 من م ا ش تذهب هباء منثورا فهذا الفصل وصف بانه دستور العائلة التونسية فهو يتضمن لاهم الحقوق و الواجبات المفروضة على الزوجين من حسن المعاشرة و المعاملة بين الطرفين فإطالة امد هذا الاجراء ينذر بازدياد مسالة التفكك الاسري اكثر مما هي عليه الان .

و امام توازي الكفة بين السلبي و الإيجابي كان من الوجيه التفكير في حل وسيط و عدم المغالاة في تطبيق هذا الاجراء على كامل تراب البلاد فهناك مناطق كانت فيها الوضعية الوبائية ليست بالخطيرة فكان من الضروري تخفيف من حدة هذا الاجراء في هاته المناطق ففي في بعض البلدان وقع التعامل بهاته الطريقة في بداية الامر

ففي فرنسا مثلا أدى اتخاذ بعض روؤساء البلديات لقرارات تشدد في الإجراءات الوقائية الوطنية الى نزاعات حيث التجأت السلطة المركزية و الوالي تحديدا الى القضاء الإداري لطلب توقيف التنفيذ هذه القرارات لخرقها مبدا التناسب و الضرورة و اعتبر القاضي الفرنسي في هذا الاطار ان قرار رئيس البلدية بفرض حمل الكمامات للتنقل داخل المنطقة البلدية او قراراه بمنع تنقل الأشخاص على كامل التراب البلدي بعد الساعة العاشرة ليلا الى حد الخامسة صباحا " يمثل خرقا واضحا لحرية التنقل باعتباره غير مبرر بخصوصية الشأن المحلي و انه كان بالإمكان رئيس البلدية المحافظة على سلامة المواطنين بتدابير اقل وطأة على الحريات [2].

ففي اطار هذا القرار راعى القاضي الفرنسي مسالة الحقوق و الحريات على المصلحة العام او حفظ الصحة العامة. لذلك عدم مراعاة مبدا التناسب كان أساسا للحكم بإبطال الإجراءات المتخذة  لذلك يرى البعض بان الفيروس عادل في إمكانية اصابته لأي كائن بشري لكن الحجر الصحي ليس عادلا بالمرة[3] و بالتالي يمكن في هذا الاطار الإقرار برجحان الكفة السلبية على حساب كفة الإيجابيات لاجراء الحجر الصحي الشامل.  

 



[1] منى غيازة، كوفيد و العنف ضد المراة ، مجلة الدراسات القانونية عدد 24 جوان 2020 ص 2

[2] عفاف الهمامي المراكشي، في حوكمة إدارة الازمة الصحية في تونس بين الوطني و المحلي، مجلة الدراسات القانونية ص 147

[3] سفيان جاب الله، تقديم عام للكراس، في تدبير ازمة كوفيد في تونس سياسات الدولة و الفئات الاكثرتضررا، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية المرصد الاجتماعي، كراس المنتدى العدد الرابع ، سبتمبر 2020

 


ليست هناك تعليقات